( الصفحة 143 )
بل هو مستحبّ . نعم ، لا يبعد الكراهة بالرطب . كما أنّه يكره نزع الضّرس ، بل مطلق ما فيه إدماء 1 .
1ـ هذه المسألة أيضاً كالسابقة في التعرّض لجملة من المكروهات ، ولا حاجة إلى التعرّض للأدلّة الدالّة عليها أيضاً ، والمهمّ بيان أمرين :
أحدهما : مضغ الطعام للصبي ، وزقّ الطائر ، وذوق المرق وشبهها ممّا لا يتعدّى إلى الحلق ، أو مع التعدّي من غير قصد ، أو مع القصد ولكن عن نسيان ، من دون فرق بين أن يكون أصل الوضع في الفم لغرض صحيح ، وبين غيره كالأمثلة المذكورة ، والسرّ عدم تحقّق الأكل ولا الشرب المفطرين ; لما عرفت من اختصاص المفطريّة بصورة العمد والتوجّه .
ثانيهما : أ نّ السواك إن كان باليابس فلا بأس به ، بل هو مستحب كما في غير الصيام ; لإطلاق دليل استحباب السواك ، وإن كان بالرطب فقد نفى في المتن البعد عن الكراهة ، ولعلّ الوجه فيه امتزاج رطوبته مع ماء الفم وتعدّي المجموع إلى الحلق عادة ، ومنه يظهر عدم الجواز في صورة العلم به ، كما أ نّ الظاهر الجواز من دون كراهة مع العلم بالعدم ، كما لا يخفى .
( الصفحة 144 )
( الصفحة 145 )
القول فيما يترتّب على الإفطار
مسألة 1 : الإتيان بالمفطرات المذكورة ـ كما أنّه موجب للقضاء ـ موجب للكفّارة أيضاً إذاكان مع العمد والاختيار ـ من غير كُره ـ على الأحوط في الكذب على الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) ، وفي الارتماس والحُقنة ، وعلى الأقوى في البقيّة ، بل في الكذب عليهم (عليهم السلام) أيضاً لا يخلو من قوّة . نعم ، القيء لا يوجبها على الأقوى . ولا فرق بين العالم والجاهل المقصّر على الأحوط. وأمّا القاصر غير الملتفت إلى السؤال ، فالظاهر عدم وجوبها عليه وإن كان أحوط 1 .
1ـ قد علّق الحكم بوجوب الكفّارة في الروايات المتعدّدة على الإفطار متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، مثل :
صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : يعتق نسمة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكيناً ، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق(1) .
- (1) الكافي 4 : 101 ح 1 ، الفقيه 2 : 72 ح 308 ، تهذيب الأحكام 4 : 321 ح 984 ، وعنها وسائل الشيعة 10: 45 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 1 .
( الصفحة 146 )
وغير ذلك من الروايات(1) .
والظاهر أنّ هذا العنوان يتحقّق بارتكاب أيّ مفطر ، خصوصاً إذا وقع في كلام الإمام (عليه السلام) ، أو في كلام السائل مع ترك الاستفصال في الجواب ، وربما يحكى عن الجواهر(2) دعوى انصراف عنوان الإفطار إلى خصوص الأكل والشرب المفطرين ، ولكنّها غير مقبولة; لما عرفت من اعتبار الإمساك عن عدّة اُمور كثيرة في نظر الشارع ، والاكتفاء في بعض الأخبار على مجرّد القضاء من دون التعرّض للكفّارة لا يدلّ على عدم ثبوتها في مورده .
نعم ، لا ننكر اختلاف المفطرات من هذه الجهة بعد اشتراكها في ثبوت القضاء مع الإفطار متعمّداً . نعم ، يشترط في ثبوتها عدم الإكراه ; لأنّه وإن كان لا يرفع وجوب القضاء ; لأنّ تحقّق الفعل المكره عليه من المكره (بالفتح) إنّما يكون باختياره وإرادته ، إلاّ أنّ تقييد الإفطار الموجب للكفّارة في الرواية المتقدّمة بعدم العذر شاهد على عدم ثبوت الكفّارة مع العذر ، والإكراه عذر لا محالة ، مضافاً إلى دلالة حديث الرفع (3)، فتدبّر .
وقد فصّل في المتن بين الكذب على الله تعالى أو رسوله أو الأئـمّة (عليهم السلام) والارتماس والحقنة ، فحكم بثبوت الكفّارة فيها على الأحوط ، وبين البقيّة ، فقوّى فيها الثبوت ، بل نفى الخلوّ عن القوّة في الثبوت في الكذب عليهم (عليهم السلام) ، واستدرك القيء وأ نّه لا يوجبها ، وقد حكم السيّد في العروة(4) بثبوت الكفّارة في الجميع حتّى
- (1) وسائل الشيعة 10 : 44 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 .
(2) جواهر الكلام 16 : 218 ـ 219 .
(3) تقدّم في ص 37 .
(4) العروة الوثقى 2 : 34 ، فصل فيما يوجب الكفّارة .
( الصفحة 147 )
الارتماس والحقنة والكذب إلاّ في بعض النومات بعد العلم بالجنابة ، وقد تقدّم تفصيل الكلام بالإضافة إلى المورد الذي استثناه ، ولا نعيد .
وأمّا مستند الحكم بثبوت الكفّارة في الجميع ، فالظاهر أ نّه ليس إلاّ الصحيحة المتقدّمة ومثلها ممّا حكم فيه بثبوت الكفّارة على من أفطر متعمّداً من غير عذر ، بضميمة ما عرفت من الأدلّة الواردة في عدّ اُمور من المفطرات .
وأمّا التفصيل الذي أفاده في المتن ، ففي مورد إثبات الكفّارة يكون الحكم هو مقتضى إطلاق مثل الصحيحة بالتقريب المذكور ، وفي مورد نفي الكفّارة كالقيء فالظاهر عدم دلالة شيء من أدلّة مفطريّته على لزوم القضاء ، بل في بعضها رتّب وجوب القضاء على تحقّق الإفطار ، وهذا لا ينافي ما ذكرنا من أنّ الأدلّة الدالّة على وجوب القضاء لا تنفي وجوب الكفّارة ; وذلك أ نّ هذا الكلام فيما إذا لم يكن لتلك الأدلّة ظهور في عدم وجوب الكفّارة ، وهنا يكون كذلك ، فتأمّل جيّداً .
نعم ، الأحوط في الموارد الثلاثة المذكورة في المتن ثبوت الكفّارة ، بل قد عرفت
أ نّه نفى في المتن البعد في وجوب الكفّارة في الكذب عليهم (عليهم السلام) ; أي على الله ـ عزّوجلّ ـ أو الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئـمّة (عليهم السلام) ، ويؤيّده بل يدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه محرّم في نفسه ولو في غير الصائم ، ولذا يحتمل فيه جريان حكم لزوم الجمع في الكفّارات بلحاظ كونه إفطاراً بالمحرّم ، وسيجيء عن قريب ـ إطلاق مثل صحيحة عبدالله بن سنان المتقدّمة عليه ; لأنّه من الاُمور المفطرة كما عرفت .
ثمّ إنّ الفرق بين الجاهل المقصّر ، وبين الجاهل القاصر غير الملتفت إلى السؤال بالاحتياط بثبوت الكفّارة في الأوّل ، واستظهار عدم الوجوب في الثاني وإن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي ذلك ; فلأنّ الروايتين المتقدّمتين تدلاّن على أنّه إذا ارتكب المرء أمراً بجهالة فلا شيء عليه ، وظاهره نفي وجوب الكفّارة أيضاً مضافاً